• ١٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٧ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ
البلاغ

كيف تواجه التطرف؟/ج1

د. غنيمة حبيب كرم

كيف تواجه التطرف؟/ج1

مع بداية العام الهجري الجديد اعاده الله علينا وعليكم باليمن والخير والبركات، تفكرت كثيراً في تناول أي الموضوعات، لكنني وجدت الأحداث والظروف المحيطة، وحتى التقويم والأحداث التاريخية تدفعني دفعاً الى الكتابة مرةً أخرى عن العنف والتطرف باعتباره مرض العصر الخبيث، لكني أركز كعادتي دائماً على تناول الموضوعات من الناحية التخصصية، ومعالجته كمشكلة اجتماعية، بعيداً عن الدخول في معتركات السياسة ومتاهاتها.

لكن للحقيقية فقد توقفت كثيراً عند كتابتي لعنوان المقال، وتوقفت أكثر للبحث عن حلول واقعية وشافية نستطيع تطبيقها على أرض الواقع، لكيفية مواجهة وباء العصر من التطرف والإرهاب، لذلك فقد كان العمل والبحث من أجل الوصول الى أدوار ومهام محددة، وتبعاً لتقسيمات اجتماعية واضحة، مما يسهل اتخاذ الإجراءات العملية المفيدة لمواجهة العنف والتطرف والإرهاب، بدايةً من دائرة الأسرة، ثم المدرسة، ووصولاً الى مؤسسات المجتمع المدني، ومختلف الهياكل الاجتماعية بالمجتمع.

في البداية أود الإشارة الى أن الدراسات العلمية أثبتت أن أكثر من 95% من قيم الطفل العاطفية تتكون قبل 7 سنوات، وأن أكثر من 93% من قيم الطفل العامة تتكون أيضاً قبل عمر السابعة، وهو ما يؤكد أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، ومن ثم وجب تطبيق الحل في البداية من خلال دائرة الأسرة، لتأثيرها الكبير على القيم والمعتقدات والأفكار الخاصة بالطفل.

فمرحلة الطفولة تمثل مرحلة غرس القيم والمبادئ والمعتقدات، تليها المراهقة وهي مرحلة الصراع ما بين ما تم غرسه في النشء من قيم، وبين المتغيرات المحيطة به، وفيها تظهر جهود التربية وزرع القيم التي تمت في مرحلة الطفولة، ثم تأتي مرحلة الشباب وهي التي تتسم ببداية استقرار القيم وتكون الشخصية واكتمال ملامحها.

ويمكننا اتباع أولى الخطوات من خلال التركيز على بناء شخصية الطفل، وتقويه قدراته ومهاراته، وإتاحة الفرصة له للتعبير عن ذاته، دون خوفٍ أو عقاب، فمن المهم في هذه الفترة، أن يقوم الطفل بالتعبير عن نفسه، وإخراج طاقته بشكل إيجابي ومن خلال العديد من الأنشطة، لأنها تتيح للأبوين اكتشاف مكامن القوة والضعف في شخصية الطفل.

الخطوة الثانية التي يجب للأسرة العمل عليها هي بناء جسور الحوار مع الأبناء، وذلك من خلال الجلسات الودية المتكررة مع الأبناء، دون أن يتعلل البعض بكثرة انشغالهم ومشاغلهم الحياتية، فلا شيء أهم من أبنائنا، وتربيتهم بشكل صحيح، حتى يصبحوا أعضاءً نافعين في مجتمعهم، بدلاً من إهمالهم ليصبحوا قنابل بشرية، أعود لأوضح أهمية جلسة الصداقة الودية مع الأبناء، حيث أن الهدف من هذه الجلسة هو توفير جو من الثقة والصداقة داخل المنزل، ومن ثم تقوم الأسرة بدورها كحاضنة للطفل ومشاعره وأفكاره، وبالتالي فلن يلجأ الى أي مصادر أخرى قد تفسد عقليته وتفكيره، حتى وإن تعرض لها، فسيكون لديه القدرة على التعبير عنها في الجلسة المنزلية، وبذلك تمثل الأسرة مرجعية فكرية لحماية ووقاية الأبناء، وتعديل المسار ومواجهة أي خلل يتعرض له تفكير الأبناء، كما تفيد هذه الجلسة في غرس القيم والمبادئ داخل الأطفال، وبصورة طبيعية بدلاً من المواعظ المباشرة التي يتملل منها الأبناء، ويصعب عليهم تقبلها واستيعابها.

وتمثل هذه الجلسات الودية تقديم النموذج والقدوة والمثل الجيد للأبناء ، لأننا في النهاية ، ربما نحمل مسئولية زرع العنصرية والعنف والتطرف في صغارنا، من خلال بعض تصرفاتنا وكلماتنا وأساليبنا العنصرية، التي تتحدث عن الطرف الآخر، وتقسم المجتمع الى طوائف وجماعات، فالأطفال شديدي التأثر بما يقال لهم وتلك هي المشكلة، وهو ما يحتم ضرورة الانتباه الى كلماتنا وتصرفاتنا أمام أبنائنا.

ومن المهم جداً أن نركز على أن جلسة الصداقة التي سيكون لها دور في تعزيز قيم الحوار ، ومبادئ الاختلاف ، والرأي والرأي الآخر ، فكل عضو من أعضاء الأسرة، يطرح رأيه وعلى الجميع تقبل الآراء ، مهما كانت عكس توجهاتهم، كما أنها تتميز بالواقعية ومعالجة الأمور الحياتية المتجددة ، مما يجعلها جلسة لفهم ميول الأبناء وأفكارهم، ومعرفة مستجدات حياتهم، والقيام بدور الصديق الصالح من داخل الأسرة، والأهم هو تقليل نزعات العنف والتطرف في نفوس الأبناء.

الرسالة الهامة التي يجب أن تصل الى الأبناء من خلال جلسات الحوار هي أنه لا يوجد خطأ لا يغتفر، وأنه لا يوجد خطأ بدون حل، بشرط حين نقوم بمناقشة الخطأ مع الأبناء، يحب أن نوجههم الى كيفية الحل، لا أن نقوم بحل المشكلة بدلاً منهم، لأن إرشادهم الى الحل يعلمهم الاعتماد على الذات، ويبني شخصيتهم بشكل صحيح، أما القيام بالحل بدلاً عنهم فيعودهم على الاتكالية وضعف الشخصية.

اعتقدت أن مقالاً واحداً سيكون كافياً لعرض الحلول وكيفية مواجهة التطرف والإرهاب، فوجدت نفسي أنهي المقال الأول مع وضع أساليب المواجهة الأسرية فقط، وفي حاجة لعرض أساليب المواجهة في باقي المؤسسات الاجتماعية، وهو ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله تعالى. 

ارسال التعليق

Top